نظرة أخرى حول الحرب الاسبانية (2) – جورج أورويل


نظرة أخرى حول الحرب الاسبانية هو مقال طويل لجورج أورويل يتحدث فيه عن الحرب الاسبانية التي شارك فيها كجندي متطوع وجرح فيها، ينقسم المقال إلى سبعة أجزاء، يوضح فيه جورج أورويل ما يراه ” واضحاً” حول الحرب ورد الفعل البريطاني اتجاهها، اخترتُ هذا المقال لأنه يبدو بطريقة ما يفضح الكثير فيما يحدث هنا في ليبيا، بتغيير بعض الأسماء والتواريخ.

الجزء الأول

Chinese_head,_Nanking_massacre

ربطاً بما قد قلته، هذه حاشية عن الأعمال الوحشية.

لديْ دليل مباشر بسيط حول الأعمال الوحشية في الحرب الأهلية الإسبانية. أعلم أن بعضها قد ارتكبه الجمهوريون، والكثير ( ولازالت مستمرة) منها قد ارتكبه الفاشيون. ولكن ما قد أذهلني حينها، وما يذهلني منذ ذلك الوقت، أنّ هذه الأعمال الوحشية تصدق أو تكذب فقط في الأرضيات المتعلقة بالسياسة. الكل يؤمنون بالفظائع المرتكبة من العدو ويكذبون فظائعهم، دون حتى محاولة معاينة الدليل. رسمتُ مؤخراً جدولاً خاصاً بالأعمال الوحشية في الفترة ما بين 1918 والحاضر ( كتب جورج أورويل هذه المقالة في 1942)؛ لم تمضِ سنة واحدة دون أن تحدث الأعمال الوحشية في مكان ما أو آخر، وبالكاد كان هنالك حالة واحدة إتفق اليسار واليمين فيها على تصديق نفس القصص في آن واحد. والأغرب، في أيةِ لحظة ينقلب الحال فجأة وتصبح  قصة العمل الوحشي التي لا شك في حدوثها بالأمس مجرد كذبة تافهة، فقط لأن الأرضية السياسية قد تغيرت.

في الحرب الحالية، نحن في الحالة المثيرة للتساؤل حيث ” حملة الفظائع” خاصتنا صُنعت حتى قبل بدء الحرب، وأغلبها صنعه اليساريون، الأشخاص الذين عادةً ما يكابرون حول شكوكهم. في الفترة نفسها، اليمين،مروجو الفظائع 1914-18، كانوا يحدقون في ألمانية النازية ويرفضون بشكل قاطع أن يروا أي شر فيها. بعد ذلك، حالما اندلعت الحرب أصبح مؤيدو النازية بالأمس يعيدون قصص الرعب، بينما وُجد أنّ معارضي النازية فجأةً يشككون في وجود الجيستابو ( البوليس السري للنازية* المترجم). أو إن كان ذلك نتيجة تحالف الروس والألمان. كان جزء من ذلك بسبب إيمان اليسار الخاطئ أنّ البريطانيين والألمان لن يتقاتلوا وكان بإمكانهم عند ذاك أن يكونوا معارضين للألمان وللبريطانيين في آن واحد؛ وجزء من ذلك بسبب البروباجاندا الحكومية الداعية للحرب، بنفاقها المقرف وتعجرفها، والتي دائماً ما تجعل المفكرين يتعاطفون مع العدو. جزء من الثمن الذي دفعناه للكذب المنظم في 1914-17 كان المبالغة في رد فعل مناصرة الألمان الذي اتبعناه. أثناء الأعوام 1918-33 كان يُسخر منك في دوائر الجناح اليساري إذا اقترحت أن ألمانيا تحمل ولو جزء من المسؤولية حيال الحرب. في كل نداءات النبذ لمعاهدة فيرسال التي استمعتُ إليها خلال تلك الأعوام لا أعتقد أنني سمعتُ السؤال ” ماذا كان سيحدث لو ربح الألمان؟” مطروحاً حتى، متروكاً للنقاش. إذاً فبالعودة للأعمال الوحشية. الحقيقة، المحسوسة، تصبح غير حقيقية عندما يتحدث عنها عدوك. مؤخراً اكتشفت أنّ الأشخاص ذاتهم الذي ابتلعوا أي وكل قصة مرعبة حول اليابانيين في نانكنك  (مدينة صينية* المترجم) في 1937 رفضوا تصديق القصص ذاتها حول هونق قونق 1942. بل وُجدت نزعة للإحساس بأنّ فظائع نانكنك أصبحت، كما أنها كانت -بأثر رجعي ما- غير حقيقية لأن الحكومة البريطانية أصبحت تجذب الانتباه لها.

ولكن لسوء الحظ فإن الحقيقة حول الفظائع أكثر بشاعة من ما يكذبون حيالها وأكبر من ما تصنعه البروباجاندا. الحقيقة أنها حدثت. الحقيقة التي أحياناً ما تورد كسبب للتشكيك – أن قصص الرعب نفسها تعاد في حربٍ بعد حرب- تجعل من هذه القصص حقيقية بالكاد. من الجلي أنّها أوهام واسعة الانتشار، وتقدم الحرب الفرصة لوضعها تحت العمل. أيضاً، بالرغم من أنّ الأمر انقطع عن أن يكون موضة للحديث حياله، فإن هناك سؤال صغير حول ما إذا كان ما  يطلق عليهم ” البيض” ارتكبوا جرائم أكثر وأشنع من ” الحمر”. لا وجود ولو لشك بسيط، على سبيل المثال، حول أفعال اليابانيين في الصين. ولا وجود لشك أيضاً حول القصة الطويلة لإنتهاكات الفاشيين خلال السنين العشر الأخيرة في أوروبا. حجم الشهادات هائل، وحصة جيدة منها تأتي من الصحافة والراديو الألمانييْن. لقد حدثت هذه الأمور، هذا ما علينا أن نركز نظرنا فيه. لقد حدثت حتى وإن قال اللورد هاليفاكس (وزير الخارجية البريطاني حينها* المترجم)  أنها حدثت. الاغتصاب وسفك الدماء في المدن الصينية، التعذيب في زنزانات القيستابو، العلماء اليهود الشيوخ المرميون في البالوعات، رمي اللاجئين بالرصاص في الطرقات الاسبانية، كل ذلك حدث، ولم تحدث لأن الدايلي تيليقراف فجأةً اكتشفت أنها حدثت بعد فوات خمس سنوات.

Leave a Comment

Fill in your details below or click an icon to log in:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s